تعالوا معي إلى
متحف الأدب في عقلي , فإذا ما أردت أن أرسم خريطة أدبية لوضعت ماركيز
وكافكا,وسيرفانتس , وموراكي ,بروست وفولكنر,وبلزاك ,والبير كامو, سارتر وروسو ,وديستوفسكي
, هسه, وغوركي ,في مقدمة الخريطة ولونتهم باللون الأزرق كناية عن أنهم البحر الذي
غرقت بكلماته , هؤلاء الذين هبّوا عليّ من جدائل مراهقتي الذهبية وظلوا يحلّقون في
ذاكرتي حتى بعد أن أغلقت كتبهم , بكيت معهم وضحكت ,خفت وأحببت , عشت زمنهم وتسكعت
بطرقات مدنهم وقراهم ,عشقت الإنسان بكل تجلياته وصوره معهم , هذا المخزون الثقافي
والإرث الحضاري الذي خلّفته رواياتهم لازالت تتداعى عبر الزمن وتسقط بظلها على كل
مساحات الأدب , وجدتني استعرض ذكرياتي مع هؤلاء العظماء بعد أن قرأت رواية
(الحزام) للروائي أحمد أبو دهمان القادم من القرية إلى مدينة الأنوار والايشاربات
الأنيقة ,والكرواسون , تلك المدينة المليئة بالسحر والجمال, المدينة التي لا تنام
باكراً ,شكلت رواية أبودهمان في نظري وثيقة مهمة من وثائق فكر الأديب وحياته, وإذا
كان للروايات مذاق في فمك , فمذاق رواية الحزام في فمي كان مثل الجينة الزرقاء
لذيذة ولاذعة مع بعض الحموضة,هذا الأديب العصامي رحل إلى باريس وهو يحمل ذاكرته
بين يديه فجاءت الحزام تروي جزء من موروثة الذي نقش بذاكرته, و لكن بإسقاطات حسية
ومدركات عقلية استدعاها الراوي وتضمنت الكثير من السعادة , الألم , الحزن , والفرح
والكثير من ملمس الحياة ليكمل الشكل السردي للرواية . جاء ت شخصية حزام رمز للقيود
وإسقاطاً على القولبة والنمذجة التي نرثها من مجتمعنا الصغير , وأحياناً رمزاً
للكمال الذكوري بكل عنفوانه , يقول "تخطئ كثيرا إذا كنت تعتقد أن حزام ملك لك
وحدك، بل انك تكشف عن حقيقة واحدة، وهي أنك لا تعرفه جيدا".
ثم تأتي الأم وهي الحياة وهي منبع الذكريات والقوة التي حملها معه ,وتتوالي الرموز وتأتي السكين في الرواية "سأكون السكين التي تملأ عينيك يا حزام" كرمز يتشابه مع الرمز كلب الأديب ساراماغو حيث يعد الكلب تجسيداً للصفاء الذهني والمعنوي لديه, ومثله فراشات الأديب نابوكوف الذي كان يعشق الفراشات ويجمعها جمع منها 4323 فراشة وأهداها إلى متحف لوزان اصطاد الآف الفراشات مثلما اصطاد آلاف الكلمات الجميلة الملونة كفراشاته ليتعلم الصيد والطيران منها .
ثم تأتي الأم وهي الحياة وهي منبع الذكريات والقوة التي حملها معه ,وتتوالي الرموز وتأتي السكين في الرواية "سأكون السكين التي تملأ عينيك يا حزام" كرمز يتشابه مع الرمز كلب الأديب ساراماغو حيث يعد الكلب تجسيداً للصفاء الذهني والمعنوي لديه, ومثله فراشات الأديب نابوكوف الذي كان يعشق الفراشات ويجمعها جمع منها 4323 فراشة وأهداها إلى متحف لوزان اصطاد الآف الفراشات مثلما اصطاد آلاف الكلمات الجميلة الملونة كفراشاته ليتعلم الصيد والطيران منها .
"أنا
على يقين بأن في كل امرأة شمساً. انظر كم هن مضيئات. ولهذا اتجنبهن، لأن أي شمس
لابد أن تحرق".
أحمد أبودهمان.
أما ساراماغو فيقول
:" أعترف بدءاً أنني
أحب النساء وأجدهن أقوى من الرجال وأرق وأوعى منهم. وليست نساء العالم كافة هكذا،
ولكن لنقل إن من الأسهل العثور على خصائص إنسانية فيهن أكثر مما في صنف الرجال".
هنا بين أبو دهمان وساراماغو ينتج خيال تصوري
وإبداع مدون التقى عند نقطة مشرقة وهي المرأة فكلاهما يعتبر المرأة هي الأساس وهي
الحياة وهي ضرورة في تطور الوعي الإنساني وهي الذاكرة والروح المتقدة , يقول في الرواية "
الأم حقيقة والأب شك". أما قوس قزح ... فكلنا لنا قوس قزحنا الخاص بنا , هذا
الإسقاط النفسي على الحب المخبوء والمشاعر الشبيهة بالماء والتي يصعب القبض عليها
أو امتلاكها يحيلنا إلى مسألة العجز النفسي امام ما نرغب ومانحب فهذه المشاعر مثل حلوى
القطن وردي منتفخ جميل وعندما تقبض عليه يتلاشي. لم تكن كلماته صادمة للقارئ بقدر
ماكانت تنقلك من حالة الاستطرادات والوصف المبتعد عن الحدث إلى روح القرية المليء
بالفضول والساكن في قاع الذاكرة الجمعية."في باريس احتميت بقريتي احملها كنار
لا تنطفئ"وبلغة محكية يأتي الشعر في الرواية عذباً كالماء الزلال لينقل
القارئ إلى مستوى آخر من الحميمية والصدق و الجمال, ذاكرة تلبس الشعر والغناء
لتخفف وطأة الاغتراب,هي سيرة محكية ريفية القلب, ملغومة بالكثير من المشاعر
والتناقضات والبساطة كبساطة أهل قرية (آل خلف),إن خلق فضاءات روائية ترتكز على
التاريخ وتأخذ من الذاكرة الفردية والجماعية من أجل قراءة الواقع المجتمعي الحالي
هو رهان إبداعي حقيقي لأي روائي, والسؤال المطروح على أبو دهمان هل
ستكون مثل امبرتو ايكو تنتج لنا رواية وحيدة (أسم الوردة)؟.