الثلاثاء، 4 أغسطس 2015

قهوة ورسائل...!!



لقد صرتِ عذابي، وكتب علي أن ألجأ مرتين إلى المنفى، هاربا أو مرغما على الفرار من أقرب الأشياء إلى الرجل و أكثرها تجذرا في صدره، الوطن و الحبّ. ( رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان).
* الرسالة الاولى:
كتبت في دفترها الوردي الصغير: الألم مثل المدن له رائحة ولون وشكل، أحيانا يغري بالاستزادة بسادية غريبة، واحايين اخرى يكون كالريشة لانعدام جاذبيته، الالم والمدن لها صفة السكون والضجيج، الوجع والفرح، الذكريات الجيدة والموجعة، فيكون بينهما رابط مشترك وهو بقايا صور باهتة واحيانا ملونة، الا ان الالم يحتوي بوجعة كل بهجة، وكلما فرحنا يأتي على شكل انامل طريّة تتفقد ارواحنا عند الفرح فيكسر الانوار ويطفيء الشموع. اشبه الالم بمطرقة تدق مسامير على خشب الروح تتوغل بشدة كلما مرت بها مطرقة الحياة بصلافتها وقسوتها، فيحتضن الوجع الروح برقة لم يقم بها حبيب من قبل، فتنزف سيلا من حزن على اطراف الكآبة.. أتساءل: لماذا لا يموت الالم لترتاح ارواحنا من هذا الضجيج؟
* الرسالة الثانية: كتب لصديقة من ساحة المعركة: لازلنا نتمسك بعروة الصبر، ولازالت العدالة قتيلة، ورأسي المجبول على الصداعات العنيدة يشتاق لسكون بطعم الوطن، أتأمل بحزن يا صديقي تلك الاعشاب النابتة على سكة الحديد التي امامي، تشبهني هذه الاعشاب فهي لم تجد لها هوية، ولم تجد لها مكاناً الا سكة الرحيل.
* الرسالة الثالثة: كتبت له بعد أن كفنها الرحيل بالأسرار: فعلت لك اشياء جميلة جداً ولكن اصابها حمى البهتان، كنت أنت همزة الوصل التي بعثت روحي من مرقدها عندما خذلني الآخرون، وأنت الذي مزق قيد الظلم المحيط بمعصم قلبي. غادرتني امنياتي وأنا التي كنت لا اغلب امنية إلا بأخرى اكبر منها، لم أكن انتهي الى طريق وكنت انت الطريق، وكانت عيناك تتابعان روحي بكل بسالة معلنة الشوق الذي يهزم هزيع الفقد فللعشق نصيب من تألق السماء وبوح النجوم، اما الآن فقد رفعت اقلام قلبي وجفت صحفه.
* آخِرُ رَشَفَةٌ: لاَ تَبنِي حُكمَاَ قَضَائِيا مُسبَقاً قَبلَ أنْ تُفتِش عَنْ هَزيِع المَوقِف فِي أحشَاءِ الإنسَانيِة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق