السبت، 1 أغسطس 2015

سئمت الكتــــابة ...!!




فضيلة الكاتب الوحيدة هي المعرفة. "هرمان بروخ روائي نمساوي"
اخترت قدري وهي الكتابة، فهي أداة لتحريك كل ما حولي وبث شجوني ومشاعري، غضبي وحزني، وسعاداتي الكثيرة، وهي فن الانتقال بين الذات والآخرين، فأنا لا أستطيع انتزاع نفسي من محيطي ومجتمعي ولكني قد أكون أحياناً الأقدر على الخوض في تفاصيل لا يتطرق إليها أحد، ولدّي حاجة إلى أن أكتب عمّا لم يكن يقال؟ وأحد دوافعي واستمراريتي هو الاعتراف بالاختلاف، فالكاتب الحقيقي يجب ألا يكون انتقائياً بل يجب أن يُجبر نفسه على فهم كل ما حوله ويتفادى إصدار الأحكام، فلا يجب أن يكون قاضياً، بل يجب أن يكون مبدعاً ويُعين على الإبداع، في الواقع ثمة صعوبة بالغة في التخلّص من الأحكام المسبقة، ولكن التعود على التأني والتفكير قبل الحكم على الآخر حتماً سيكون عاملاً مساعداً في الابتعاد عن جاهزية الأحكام.
والحقيقة أننا لسنا ملزمين ببناء العالم وإصلاح ما تهدم منه، ولكننا ملزمين في البحث عن الحقيقة. وأعتقد أنني ككاتبة سئمت حقاً من استثمار كل كلماتي الرقيقة والمتسامحة في محاولة يائسة لتلطيف هذا العالم السيئ التنظيم، وكلما حاولت إزالة الحواف الخشنة مما حولي، تظهر لي وجوه بائسة وساخطة تعيدني للمربع الصفري الذي بدأته منه تفاؤلي..!
والسؤال الذي يلحّ عليّ أكثر: هو كيف يستطيع الكاتب أن يتلمس بيديه موضع الألم، وترياق الشفاء؟
هذا السؤال الذي ظل يلازمني كظلي وجدت إجابته في رواية الفرنسي دوني ديدرو (جاك القدري)، فهي إحدى الروايات التي أحببتها، حيث إنها أكثر الروايات التي تحاكي واقع الإنسان وطريقة تفكيره وسلوكه.
حيث إن موضوع الرواية الرئيسي هو علاقة بين الخادم جاك وسيده الذي لم يُذكر اسمه قط. يرتحل الاثنان لوجهة يتركها الراوي غامضة، ولتبديد ملل الرحلة، يضطر جاك لرواية قصص حبه بأمر من سيده. لكن قصة جاك غالباً ما كانت تقاطع من قبل شخصيات أخرى وحوادث عديدة. يروي الشخوص الآخرون الذين يظهرون في الرواية قصصهم، لكنهم أيضاً يُقاطعون باستمرار.
ثمة قارئ يقاطع الراوي بطرح الأسئلة وطلب المزيد من التفاصيل. وتتميز الشخصيات المركبة بانغماسها في الخداع. فلسفة جاك الرئيسية هي أن كل شيء يحدث لنا سواء كان خيراً أم شراً مكتوب مسبقاً في لفافة كبيرة، يتم بسط جزء يسير منها كل مرة. لكن جاك يستمر في إضفاء قيمة على أفعاله، وفي الرواية تظهر شخصيات جديدة كل مرة تتحدث وتقاطع، فمن شخصية الجنديين في الجيش حتى شخصية الأب هدسون، وفي نهاية الرواية كان هناك إثبات قطعي من جاك أن سيده لا يستطيع العيش بدونه، وبذا فإن جاك يكون هو السيد والسيد هو العبد.
في هذه الرواية أتساءل هل باتت المشاكل أكثر لطفاً؟ أم أن الحياة تحسنت على نحو كبير؟ فالكاتب هنا خرج بأقصى ما يستطيع مما حصل عليه من شخصيات متناقضة، فالكتابة تحتاج إلى حياة عامة، وتبادل حر للأفكار، والنقاش، والجدال، والاستماع، فنحن لسنا ملزمين بالكتابة فقط بل لتأمل أولاً، فالكاتب يحمل بين حناياه الكثير من الأرواح، والسؤال المطروح هو: كيف يؤمن الكاتب المبدع بذاته؟
الإجابة على السؤال يطول شرحها، ولكن الكاتب لدية دائماً أشياء مشتركة مع البشر جميعاً، الصراع، الحب، الرغبات، فنحن نشبه بعضنا فيما نعيش به وفيما نتألم من أجله، العالم هو مكان للجميع، والآخرون يعطون شكلاً للحياة ويزودون الكاتب بالكثير من المشاعر، إن الكاتب الذي يرفض كل شيء ويتصيد ما يروق له ويتوافق مع أهدافه هذا غير أمين على الواقع، فالالتزام بالحقائق هو أساس الكتابة، ويجب أن نعي أن في داخل كل كاتب معركة قائمة بذاتها، فيظهر له البائس والسعيد الفقير والغني الشجاع والجبان وأمام هذه الحياة المليئة بالتناقضات هل يستطيع الكاتب أن يتخندق؟.
* محبرة:
- الكتابة مثل الخدمة العسكرية الإلزامية بمجرد أن تقرر أن تكون كاتباً فأنت ارتبطت بها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق